ســــورة المــــــــــائدة

يوسف عمر كتب:: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)

يتوجه النداء الرحماني
من العلي الأعلى
لاهل الكتاب
بعد سوق الأدلة والبراهين لعلهم يفيقون
قل يا أهل الكتاب .. من يهود ونصارى

لا تغلوا في دينكم غير الحق.. الغلو هو تجاوز الحد
وهو الطغيان والتعدي

ولا تتبعوا أهواء قوم .. والأهواء جمع هوى
وسمي بالهوى
لأنه يهوي بصاحبه إلى جهنم
والقوم هنا هم الأسلاف
الذين ضلوا
فزعمت يهود أن عيسى لغير أمه
وزعمت النصارى أن عيسى إله

قد ضلوا من قبل.. أي من قبل البعثة النبوية

وأضلوا كثيرا.. كانوا سببا في ضلال غيرهم
ممن أتبع أهوائهم
من الأمم والقرون والأجيال

وضلوا عن سواء السبيل.. والسواء هو الوسط
والسبيل هو الطريق
وهو سبيل محمد (صلى الله عليه وسلم)
فهم ضلوا من قبل البعثة النبوية
وضلوا بعد البعثة النبوية
فلا آمنوا عقلا
ولا آمنوا شرعا

يوسف عمر كتب:: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)

ثم يأتي الخبر
عما حاق بأولئك الأسلاف
وما يمكن أن يحيق بالأخلاف
ألا وهو اللعن

لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل.. وهو الطرد من رحمة الله
وهو بيان لجرائم اليهود والنصارى
لتفريط اليهود بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل
ولإفراط النصارى بالغلو
ولاحظ أن الله نسبهم لبني إسرائيل
وهو يعقوب عليه السلام
فكأن الذرية الملعونة هي من أحفاد أحفاد نبي
وفيها دليل
على أن النسب لا يغني عن العمل شيئا

وفي القيامة
يقول الله في حديث قدسي
"اليوم أضع أنسابكم وأرفع نسبي"
ونسب الله هو الطاعة

على لسان داود وعيسى بن مريم .. لسان داود هو الزبور
ولسان عيسى هو الإنجيل
وقيل أن أصحاب السبت كانوا في زمن داود
الذين انقلبوا قردة
وأصحاب المائدة كانوا في زمن عيسى
الذين انقلبوا خنازير
وقيل
هم الملعونون من بني إسرائيل
الذين لم يؤمنوا ببعثة محمد (صلى الله عليه وسلم)

ذلك بما عصوا... أي حاق بهم اللعن
بسبب عصيانهم

وكانوا يعتدون.. وبسبب عدوانهم
فهم بأنفسهم عصاة
ولكنهم لايكتفون بذلك
بل يتجاوزونه إلى الاعتداء على الآخرين
بالإضلال والظلم والقتل والنهب والسلب

يوسف عمر كتب:: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)

ومن أسباب اللعن أيضا
أمر غاية في الخطورة

والآية تدل على أنهم فعلوا 3 أشياء
1- أنهم أتوا المنكر
2- فعلوه جهرا .. لأنك لاتنه عن المنكر إلا إذا رأيته
3- ولم ينه بعضهم بعضا عن ذلك

وقد حذر (صلى الله عليه وسلم)
من الجهر بالمعصية
وإذا بليتم فاستتروا

ويقول (صلى الله عليه وسلم)
"كل أمتي معافى إلا المجاهرين"

فإنك إذا فعلت معصية
ولم تحدث بها أحدا
ولم يجاهر بها
فلعل باب التوبة لا زال مفتوحا لك

كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه...هذا كان حالهم

لبئس ما كانوا يفعلون.. تعجيب من فعلهم
وتحقير لهم
والتعجيب مؤكد بالقسم
أي والله ما أسوأ ما قدموه لأنفسهم
ومعظم النار من مستصغر الشرر
فالصغائر تؤدي إلى الكبائر
والكبائر تؤدي إلى الكفر
والعياذ بالله

يوسف عمر كتب:: (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)

ترى كثيرا منهم.. تعجيب آخر
والكلام عن اليهود
الذين نزلت عليهم التوراة مكتوبة من السماء

يتولون الذين كفروا .. والكلام عن مشركي مكة
فاليهود معادون للنبي (صلى الله عليه وسلم)
وهذه العداوة جعلتهم يتحالفون مع المشركين
لدرجة أنهم قالوا لعبدة الأصنام
إن دينكم خير من دين محمد !

لبئس ما قدمت لهم أنفسهم... أي قدمته لهم
يلقونه يوم القيامة
حاضرا

أن سخط الله عليهم .. هذا إذن ما ينتظرهم
والسخط هو شدة الغضب والبغضاء

وفي العذاب هم خالدون.. باؤوا بأمرين
غضب الله
والخلد في جهنم

ومن هنا قال العلماء
أن من تولى كافرا فاعتقد باعتقاده أو رضي بفعله
فقد كفر

يوسف عمر كتب:: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي .. لو كانوا يؤمنون بالله
وبنبيهم موسى

وما أنزل إليه .. من التوراة

ما اتخذوهم أولياء .. لم يتخذوا مشركي مكة أولياء لهم

ولكن كثيرا منهم فاسقون .. لأنهم خرجوا عن الطاعة

وقال بعض العلماء
الآية في المنافقين
والنبي المقصود هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وما أنزل اليه هو القرآن الكريم

يوسف عمر كتب:: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)

لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا .. اللام هي لام القسم

اليهود والذين أشركوا.. قرن بين اليهود والمشركين
من عبدة الأصنام والأوثان
مع أن اليهود أهل كتاب
بل أنه قدم عليهم
لبيان شديد عداوتهم
فهم قوم كذبوا الأنبياء وقتلوهم
وحرفوا التوراة
والكلام يشمل الماضي والحاضر والمستقبل
فعداوتهم حتى تقوم الساعة
من غدر وخيانة ونقض للعهود وكذب

ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا.. اللام هنا أيضا لام القسم

الذين قالوا إنا نصارى .. الذين صدقوا برسالة عيسى بن مريم
ولم يغالوا فيه
هم المقصودين في هذه الآية
وليس مسيحيو اليوم
وقد نزلت الآية بسبب إيمان النجاشي
ملك الحبشة
وكلمة (نصارى) من النصر
فهم أنصار الله

ذلك .. بيان العلة
في مودتهم القريبة من المؤمنين

بأن منهم قسيسين ورهبانا... ومنهم نصارى نجران
الذين دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
فقرأ عليهم سورة (يس) كاملة
قسيسين جمع قسيس
والرهبان جمع راهب
وهم الذين عبدوا الله في خلوة
من شدة رهبته
ومن خوفه من الله .. عبد الله في صومعة
أو محراب

وانهم لايستكبرون... يخضعون للحق
ويدورون معه حيثما دار

يوسف عمر كتب:: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)

وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول.. جماعة النجاشي
أو نصارى نجران

ترى أعينهم تفيض من الدمع .. تفيض
أي امتلأت عيونهم بالدموع
ثم صبت على خدودهم

مما عرفوا من الحق.. (من) لبيان ما عرفوه من الحق
وقيل أي عرفوا (من) الحق
أي من بعض الحق
فكيف لو عرفوا الحق كله

يقولون .. بعدما سمعوا وآمنوا
ودخلتهم الخشية والسكينة

ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.. إقرار بالإيمان
بالله
وبعيسى كرسول
وبمحمد (صلى الله عليه وسلم)
اكتبنا مع الشاهدين
الذين شهدوا لك بالوحدانية
ولنبيك بالرسالة
واكتبنا هنا بمعنى اجعلنا
أو اجعلنا من الشاهدين بنبوة محمد
أو أجعلنا من أمة محمد الذين يشهدون على الأمم
يوم القيامة

يوسف عمر كتب:: (وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)

وما لنا لا نؤمن بالله.... سؤال استفهام
فيه الإنكار
وفيه الاستبعاد
لأن الدلائل موجودة فكيف لا يؤمنوا

وما جاءنا من الحق.. وهو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وهو القرآن الكريم

ونطمع أن يدخلنا ربنا.. والطمع في الله مطلوب

مع القوم الصالحين.. أي في القوم الصالحين
أي يدخلنا الجنة معهم
في رضوان الله

يوسف عمر كتب:: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)

فأثابهم الله بما قالوا .. قرار
من لدن من يملك القرار
هل أثابهم بمجرد القول
لا
بل أثابهم بما قالوه وفعلوا به
عن اعتقاد

جنات تجري من تحتها الأنهار.. الثواب والجزاء

خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين.. في كل زمان ومكان
الذين أحسنوا الفهم والعمل
الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه

يوسف عمر كتب:: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)

والذين كفروا وكذبوا بآياتنا .. لأن التكذيب جزء من الكفر
وهناك مقابل لهم
وهم الذين آمنوا وصدقوا بآيات الله

وأولئك أصحاب .. وكأنها خُلقت لهم
إلى الأبد

الجحيم.. هي النار شديدة الاتقاد
جحم النار: أي زاد من اتقادها
بما يلقيها فيها من وقود

يوسف عمر كتب:: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

في صحيح البخاري
جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني

ونزلت هذه الآية

يا ايها الذين آمنوا.. خطاب للمؤمنين
فانصاع الصحابة وأطاعوا

لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم.. ما أحله الله
كله طيب
لكن التعبير يفيد
أن ما اشتهته نفسك وهو حلال .. فلم تحرمه أنت
لأن هذا التحريم ابتغاء الزهد والتقشف
غير مطلوب منه
ولا فضل فيه

ولا تعتدوا.. اي لا تحللوا الحرام
أو بالتجاوز في تحريم الحلال
لأن تحريم الحلال .. كتحليل الحرام
سواء بسواء

إن الله لايحب المعتدين ... يبغضهم
ومن ابغضه الله
ابغضه من في السموات والأرض
وكان مصيرهم جهنم
والعياذ بالله

يوسف عمر كتب:: (وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ)

وكلوا مما رزقكم الله .. رزق الله واسع

حلالا طيبا.. لكن الله امرنا أن نتحرى الحلال منه
فهو حلال
و طيب .. أي تستمتع به نفسك

واتقوا الله.. أي كأن تحريم الحلال
يخالف التقوى

الذي أنتم به مؤمنون.. لأن الإيمان يؤدي للتقوى
ولا تقوى بغير إيمان
ولا إيمان بغير تقوى

لذلك قيل
من حرم طيبا على نفسه
وجبت عليه الكفارة
ككفارة اليمين
لأنها موجودة في الآية التي تليها
وبعد فعل الكفارة
يعود للحلال

وأعلم أخي المسلم
أن الله إذا رزقك الغنى
فلا تسعى للفقر
بحجة الزهد
لأن الزهد الحقيقي
هو أن ترضى بما قسمه الله لك

يوسف عمر كتب:: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

لقد حددت الآية
نوعان من الأيمان
يمين اللغو
واليمن المنعقد

لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم .. المؤاخذة هنا
هي المؤاخذة الدنيوية
في أيمانكم .. أي من أيمانكم
فلغو اليمين لا إثم فيه
ولا كفارة

هناك نوع آخر من يمين اللغو
أن يحلف الرجل على شيء
يظن أنه فيه صادق
ثم تبين له خلاف ذلك
كأن يقول: والله لقد رأيت فلانا
ثم تبين أنه أخطأ
فما الحكم
قال بعض العلماء: هي لغو لا كفارة فيها
وقال البعض: هو يمين لغو
لا إثم فيه
لكن تجب فيه الكفارة
إذ أتضح له أنه أخطأ
ولم يكن صادقا كما كان يعتقد

ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان.. اليمين المنعقد
هو اليمين الذي به نية و عزم

فكفارته اطعام عشرة مساكين.. والكلام فيه حذف
ثقة بفهم السامع
أي فكفارته إن حلفتم

والحلف يباح
حين يحلف الرجل على شيء لا يصح
كقطيعة رحم
أو على عدم فعل خير
أو أن يحلف على أن يفعل شرا

ففي سنن أبي داود
عن أبي بردة عن أبيه
أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال
"أني والله ، إن شاء الله ، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها
إلا كفرتُ عن يميني وأتيت الذي هو خير"
أو قال "إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني"

أي حين ترى أن في التكفير خير
وفي الحنث خير
فاحنث يمينك
فهنا تباح الكفارة

فمتى تصح الكفارة
ومتى تجوز ؟

الحديث يدل على أن الكفارة
بعد الحنث

لكن بعض العلماء قالوا
تجوز الكفارة في الإطعام
والكسوة
والعتق
ولا تصح في الصيام قبل الحنث أبدا
لأن الصيام من أفعال البدن
وأفعال البدن لا تقدم على وقتها أبدا
كصوم رمضان وصلاة الفرائض وغيرها

وقد حدد الله سبحانه
الكفارة بثلاثة أمور
فقال

إطعام عشرة مساكين .. قدم الإطعام على الكسوة
مراعاة لحال العرب في ذلك الوقت
ومن هنا
كان التخيير للمكفر في الأمور الثلاثة
مما دفع بعض العلماء أن يقول
"يراعى الحال" أو "تراعى المصلحة"
فإن كان الجوع غالبا .. فالإطعام
وإن كان العري غالبا .. فالكسوة

وشرط أن يكون الإطعام
مملوكا للمسكين
وشرط بعض العلماء أن يكون العدد عشرة
وعليه لا يصح إطعام فرد واحد
وقالوا: بل يجوز إطعام الواحد لكن لمدة 10 أيام
أو تطعم اثنين لمدة 5 أيام

من أوسط ما تطعمون أهليكم .. هذا نوع الطعام
والوسط خير شيء
وقيل متوسط ما يُطعم به الأهل
والأهل هم الزوجة والولد
والطعام هو غذاء وعشاء
أي مما اعتاد عليه أهلك
فإن كانوا يأكلون وجبتين .. فتقدم وجبتين

ولايصح إطعام غني
ولا يصح إطعام ذوي الرحم
الذين يجب عليك الإنفاق عليهم

طيب
هل يشترط أن يكون المسكين مسلم؟
قال بعض العلماء: نعم
وقال البعض الآخر: يجوز إطعام الكافر المسكين
ففي كل كبد رطب .. صدقة

أو كسوتهم .. الكساء قالوا فيه 3 أقوال
قالوا: ثوب يستر العورة فقط
وقال آخرون: ستر البدن كاملا
وقال آخرون: ما تعارف عليه الناس في زمن الكفارة

أو تحرير رقبة ... رقبة مطلقة
فهل يصح عتق الرقبة الكافرة ؟
قال البعض: يجب أن تكون الرقبة مسلمة
وقال آخر: يجوز أن تكون غير مسلمة

فمن لم يجد .. الأشياء الثلاثة أعلاه
لأسباب
أما بسبب عدم القدرة
وأما بسبب عدم تواجدها

بمعنى
إذا وجدت قدرة الإطعام
فيجب عليك الإطعام
ولايجوز عليك الصيام

فصيام ثلاثة أيام.. الأيام الثلاثة
هل هي متتابعة أم يجوز فيها التفريق
قالوا: هي متتابعة كحال صيام الظهار
وقال آخر: يجوز التفريق

ذلك ... ذلك البيان والتبليغ

كفارة أيمانكم إذا حلفتم .. العلة من الكفارة

واحفظوا أيمانكم ... الحفظ بأن لا تحلف أصلا
فلا تجعل الله عرضة ليمينك
إلا إذا اضطررت لذلك
كالشهادة أمام القاضي
وإلا
فما الذي يضطرك أن تحلف لصاحبك
لأنه إن لم يصدقك
فليس بصاحبك

كذلك يبين الله لكم آياته .. يوضح الله لكم
آياته المختلفة وأعلام شعائره

لعلكم تشكرون.. تشكرون نعمه
وتشكرون الترخيص
واللطف والرحمة
فانظر كيف الله يسمح لك
أن تستخدم اسمه بالحلف
ثم تحنث في اليمين بعدما تبين لك الحق

وفي صحيح مسلم
عن أبي أمامة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وإن قضيبا من أراك"

وعند البخاري
يعتبر اليمين الغموس من الكبائر
قال (صلى الله عليه وسلم)
" الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس"

وقال العلماء
اليمين الغموس
كفارته أن يعيد الحقوق إلى أهله
والإصلاح والتوبة
حتى يرتفع عنه الإثم
وقال بعض العلماء: بل عليه كفارة مع إعادة الحقوق

يوسف عمر كتب:: ألف العرب في جاهليتهم
شرب الخمر
وتعلقوا بها
وأدمنوها
وتغنوا بها
بل وقالوا فيها الأشعار
ولم تكن تجارتهم تخلوا منها
فكانت ثمرهم ورزقهم وتسليتهم وصناعتهم

وحين نزل الإسلام
دين الفضيلة والعفة والفطرة والعقل السليم
شاءت إرادة المولى
أن لا يحرم الخمر دفعة واحدة
فيشق الأمر على الناس

ثم شاءت إرادته سبحانه
أن ينزل التحريم على التدريج

فأول ما نزل في شأن الخمر
كان قوله تعالى بمكة
(ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)

فلما نزلت الآية
فطن بعض الصحابة
إلى أن المقابلة في الآية بين السكر (الخمر) والرزق الحسن
تفيد أن الخمر ليست من الرزق الحسن
وحين فطنوا لذلك
امتنعوا عنه
واستمر الآخرون في شربها
باعتبارها من المباحات

لكن البعض الآخر
توجسوا منها شرا
وهدتهم فطرتهم السليمة للسؤال
فذهبوا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وعلى رأسهم عمر بن الخطاب
يسألونه عن الخمر والميسر
فقالوا: يا رسول الله افتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال
فسكت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

فنزل قول جبريل
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)

ففطن البعض الآخر من الصحابة
للتحريم المرتقب
إذ وضحت هذه الآية
أن في الخمر والميسر إثم
والإثم ضد البر
وأن الإثم أكبر من النفع
وبقي القليل من الصحابة على شربها

وفي يوم من الأيام
اجتمع بعض الصحابة على الصلاة
وقد شرب بعضهم
و سكر إمامهم
فصلى بهم
فقرأ (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون)
فأخطأ في قول الآية
فذهبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
يشكون له
فنزل قول الله تعالى
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)

فأصبح التحريم واضحا
وإن كان تحريما جزئيا

فقد أصبح من المحرم أن يصلي العبد
وهو سكران أو شارب للخمر

ولما كانت الصلاة واجبة
خمس مرات في اليوم والليلة
وأصبح من الممنوع على المصلي أن يشرب خمرا
فامتنع الكثير
وبقي أقل القليل يشربها بعد العشاء
ومع ذلك
كانوا لايكثرون منها ليستيقظوا للفجر

وفي يوم آخر
اجتمع البعض في منزل أحدهم
ثم شربوا
فسكروا
فتشاتموا
وتضاربوا

فنزل التحريم القاطع
بالآية القادمة

يوسف عمر كتب:: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

اعلم أن هذا التحريم القطعي
لم يحض به محرم في القرآن
فأشد أنواع التحريم كانت في الخمر

يا أيها الذين آمنوا.. خطاب للمؤمنين

إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام .. بداية الكلام بـ (إنما)
يفيد الحصر
والخمر هو ما خامر العقل وستره
والخمر شرعا: هو كل ما أذهب العقل (قليله وكثيره)
والميسر: هو القمار وأنواعه
الأنصاب: أحجار حول الكعبة يذبحون عليها القرابين يلطخونها بالدم
الأزلام: سهام كانت لهم يقترعون عليها

لاحظ وجود الخمر مع الأنصاب والأزلام
مع أن الآنصاب والأزلام .. شرك
لأنها أوثان
فكأن الخمر من الشرك

وفي الحديث الذي قال عنه الألباني (حسن)
عن أبي هريرة
قال (صلى الله عليه وسلم)
"مدمن الخمر كعابد وثن"

رجس من عمل الشيطان.. الرجس هو النجاسة والقذر والخبث
اجتمعت في هذه الأربعة
وطالما كان شيئا من عمل الشيطان
فهل يكون محبوبا
هل يكون مرغوبا

فاجتنبوه... الاجتناب أشد أنواع التحريم
لأن معناه أن تكون أنت في جانب
والمُجتنَب في جانب آخر
فأنت والشيء في أشد البعد عنه

لعلكم تفلحون.. ثم ربط الفلاح بالاجتناب
كأن الفلاح مرتبط باجتناب الأربعة
وبالتالي إذا مارستها فأنت في خسران

يوسف عمر كتب:: ثم جاءت السنة النبوية
موضحة مبينة لما في القرآن

ففي الحديث عند مسلم
قال (صلى الله عليه وسلم)
"كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"

قال بعض العلماء
المسكر هو الذي يغيب عقلك
مع وجود اللذة والمتعة
وبالتالي
لا يعتبر البنج في العمليات من المسكر
وإن كان يغطي العقل
لأن المبنج لا وعي له

وفي سنن الترمذي عن عائشة
قال (صلى الله عليه وسلم)
" كل مسكر حرام ما أسكر الفرق منه .. فملء الكف منه حرام"
وفي رواية "الحسوة منه حرام"

والفرق هو مكيال يسع 16 رطلا
والعبارة تفيد معنى التكثير والتقليل
لا التحديد

وفي حديث رواه الترمذي
قال (صلى الله عليه وسلم)
"ما أسكر كثيره فقليله حرام"

وفي صحيح مسلم
قال (صلى الله عليه وسلم)
"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ ، قَالَ : " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"

وفي حديث رواه أبو داود والحاكم وصححه الألباني
عن ابن عمر رضي الله عنهما
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال
"لعن الله الخمر، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها"

وفي رواية عند الترمذي وابن ماجه
عن أنس رضي الله عنه
"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وساقيها ، وبائعها ، وآكل ثمنها ، والمشتري لها ، والمشتراة له"

يوسف عمر كتب:: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)

إنما يريد الشيطان... أتى بالعلة
ليبين لك خبث الخمر
وشرارة الميسر

أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء... فهذه شهادة الحق
والله اصدق القائلين
بأن التعامل بالخمر والميسر
يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الدنيا

ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ... وأن يخسركم دينكم

فهل أنتم منتهون.. سؤال استفهام استنكاري
هل أنتم منتهون
أم انتم مستمرون
أم ماذا ستفعلون

يوسف عمر كتب:: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)

واطيعوا الله .. الأمر بطاعة أمر الله
كما جاء في كتابه

وأطيعوا الرسول... والأمر بطاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
كما جاء سنته
بالأحاديث التي ذكرناها

واحذروا.. والمحذر هنا
هو من يملك الثواب والعقاب
ومن خلق الجنة والنار
وهو من يحاسب يوم الحساب
وهو الصادق القادر

فإن توليتم .. فإن أعرضتم

فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين .. لأنه عليه البلاغ فقط
وقد ابلغكم
ولقد أعذر من أنذر
فماذا بعد البلاغ
أشد العقاب

يوسف عمر كتب:: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

بعدما نزل تحريم الخمر
قال بعض الصحابة: كيف بمن مات المسلمين وهو شارب للخمر
قبل تحريمها وتحريم الميسر

وآية التحريم نزلت
في السنة 8 من الهجرة
بعد غزوة أحد
وبالتالي فقد استشهد أناس على ما فعلوه
فنزلت هذه الآية

ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات... خطاب
لمن سبقهم من المؤمنين وماتوا على ذلك

جناح فيما طعموا .. الجُناح أي الإثم
أو المؤاخذة
فيما طعِموا.. أي فيما أكلوا وشربوا
لأن الطعام تشمل الأكل والشرب
من الخمر والميسر

إذا ما أتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات .. أي ليس عليه إثم
ممن كان مؤمنا متقيا فيما سواها من المحرمات
ومات قبل تحريم الخمر
أو .. إذا أتقى بينه وبين نفسه
أو كان متقيا للشرك هنا

ثم أتقوا وآمنوا... بعد نزول التحريم
أو .. أتقى بينه وبين الناس
أو .. كان متقيا للشرك والكبائر

ثم أتقوا وأحسنوا .. أي داوم على التقوى والإحسان
فيما بقي من عمره
أو .. أتقى بينه وبين ربه
أو .. أتقوا هنا الشرك والكبائر والصغائر
فهناك من يجتنب الشبهات
مخافة الوقوع في الحرام

والله يحب المحسنين.. فإن وصل إلى آخر مرحلة
فهو في الإحسان
والله يحب المحسنين

يوسف عمر كتب:: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

يا أيها الذين آمنوا .. الخطاب للمؤمنين
وللأمة
فهو خطاب عام

ليبلونكم الله .. ليختبركم

بشيء من الصيد... (بشيء) تفيد التقليل
وكأن الله يشعرنا
بأنه يخفف عنا في امتحانه وابتلاءه
فهو امتحان يسير بشيء قليل
من تجاوزه بنجاح .. سينجح في غيره
ومن رسب .. فكيف بغيره

والصيد .. كلمة تعبر عن الفعل (الاصطياد)
وكذلك تعبر عن الشيء المصيد
وهي هنا تفيد الثانية

تناله أيديكم ... اليد: هي معظم ما يُكتسب به
يفيد أخذ الصيد السهل كالفرخ
ومن لايستطيع الطيران
والبيض
وكذلك ما تصنعه اليد من الفخاخ والشباك والحبائل

ورماحكم ... ويسري مسراه السهم
وكل سلاح يصاد به
وذكر الرمح للتعبير عن البعيد

ليعلم الله من يخافه بالغيب .. والله يعلم
ما كان وما هو كائن وما هو يكون
ويستوي في علمه .. الكثير والقليل
وعلم الله واسع
وعلم الله أزلي
فحين يذكر كلمة (ليعلم)
فظاهر الكلمة هي العلم
لكن باطن الكلمة .. هو أن يقع معلومه
من عالم الغيب إلى عالم الشهادة

وأنت إذا حرمت ما حرم الله
وأنت لم تره
ولم تر ناره
فأنت تخشى الله وهو غيب
وتخشى النار وهي غيب

فمن اعتدى بعد ذلك .. بعد هذا الانذار
والبيان التحريم

فله عذاب عظيم .. لأنه تجاوز الحد
ولأنه تعدى حدود الله بارتكاب المحظور

يوسف عمر كتب:: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)

يا ايها الذين آمنوا ... خطاب للمؤمنين

لا تقتلوا الصيد.. الصيد هنا
هو المادة المصيدة
لاتقتلوا.. دخل فيها الذبح والخنق
وكل ما يُزهق الروح

وانتم حرم .. جمع حرام
وهو من أحرم بالحج أو العمرة
وإن كان في بلده
أو من دخل الحرم.. ولو كان غير محرم

ومن قتله منكم متعمدا... العمد هو القصد
مع العلم بالتحريم
فخرج من الكلام ..المخطيء والناسي
لان المخطيء هو من اراد فعل شيء دون قصد
والناسي هو من قتل الصيد ناسيا لإحرامه
من هنا
اختلف العلماء
فهناك من قائل
الجزاء على من كان محرما عالما
أما المخطيء والناسي
فلا شيء عليه

وقال بعضهم
بل الجزاء على الجميع
المتعمد والمخطيء والناسي
لأن المخطيء والناسي تركوا فعل الصحابة

فجزاء مثل ما قتل من النعم .. المثلية هنا
هل هي في الخلقة والصورة
أم هي في القيمة

مثلا المثلية إن كانت في الخلقة والصورة
ففي النعامة .. بدنة (تشبهها في الشكل)
وفي حمار الوحش .. بقرة
وفي الظبي والغزال .. شاة
وفي الأرنب .. عناق (انثى المعز)

وفي حمام الحرم .. شاة (لعظم حمام الحرم)
أما حمام غير الحرم .. ففيه القيمة

أما ما لا مثل له
كالعصفور والجراد
فيعوض بالقيمة

يحكم به ذوا عدل منكم ... إذن فالحكمان 2
من العدول
الذين تُقبل شهادتهم في الأموال وغيرها
يحكمان بنوع الجزاء

وإذا اتفق الحكمان .. فالحكم نافذ
وإذا اختلف الحكمان في التقدير
جيء بغيرهما .. حكمان آخران
وإن اختلفا .. جيء بغيرهما
ولايصح أن يكون الجاني
من بين الحكام

هديا بالغ الكعبة .. أي ما حُكم به من الهدي
لابد أن يصل إلى الحرم
وذكرت الكعبة للتعظيم والتشريف
والمقصود الحرم
أي لابد أن يُذبح الهدي في الحرم

أو كفارة طعام مساكين ... (أو) في الجزاءات والكفارات
تفيد التخيير
فالمكفر مخير بين الهدي أو الإطعام أو الصيام
لكن
كم عدد المساكين هنا
وما مقدار ما يُطعمهم
قالوا
إذا كانت المثلية في الخلقة والصورة
فعليك أن تعرف كم تطعم الشاة مثلا
نقول 6 أفراد
وهكذا
وعلى الوجبة أن تكون مما يُشبع

أو عَدل ذلك صيامه ... أي الإطعام
وهناك ملاحظة
العَدل (فتح العين) هو شيء مساوي لشيء من غير جنسه
والعِدل (كسر العين) هو شيء مساوي لشيء من جنسه
وهما لغتان بمعنى واحد
والمقصود هنا
أنه يصوم عن كل مسكين .. يوما
فإن كان عدد المساكين 10.. يصوم عشرة أيام
وهكذا
وقيل لا يزيد الصوم عن 60 يوما

ليذوق وبال أمره... الذوق يستخدم في حاسة اللسان
لكن يتوسع في الكلمة وتستعار
لكل ما يشعر به الإنسان
من ألم أو عذاب أو مرض
كقوله (ذق إنك أنت العزيز الكريم)
والوبال هو الشدة والثقة
ومنه المطر الوبيل أي الشديد
ويعبر عنه هنا بالعاقبة

عفا الله عما سلف.. لأن الكفارة تغفر الذنب إن شاء الله
وإن كان فيها مشقة
عما سلف .. عما مضى

ومن عاد فينتقم الله منه... من عاد بعد التحريم
سينتقم الله منه بالعذاب الشديد في الآخرة
وقيل
من فعل ذلك النهي للمرة الأولى
فعليه اختيار احد الكفارات الثلاثة
لكن
من عاد فارتكبها مرة ثانية
فليس عليه من كفارة
بل ينتقم الله منه يوم القيامة
لعظم ما ارتكبه

فحكم ذلك
هو حكم اليمين الغموس
الذي لا كفارة له

والله عزيز ذو انتقام .. عزيز لأنه قوي
غالب أمره
ذو انتقام .. بقدرة و قوة وهيمنة

وهذا الكلام كله عن مكة
واسمع لقوله (صلى الله عليه وسلم) في صحيح البخاري
"إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف وقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا فقال إلا الإذخر"

لاينفر صيدها
أي ممنوع تقول للحمام "هش"

لكن رب سائل يسأل
ماذا عن المدينة المنورة
هل تعتبر حرم أيضا

قال بعض العلماء .. المدينة حرم كحرم مكة
لقول المسيب عن أبي هريرة
"كان يقول لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام "

وقوله (صلى الله عليه وسلم) في صحيح البخاري
( أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَكَّةَ "

إذن فهي حرم
وبالتالي لايصح مطلقا الصيد في المدينة

ومن قتل صيدا في المدينة
وجب عليه من الجزاء
ما يجب عليه في مكة

وهناك من الدواب
ليس على المحرم من قتل .. إثم
قال (صلى الله عليه وسلم) في البخاري عن عائشة
" خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ : الغُرَابُ وَالحِدَأةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ"

ولا كفارة على القاتل

أما الحشرات
فهل يجوز للمحرم أن يقتل الحشرات
أو يرش الكيمياويات عليها
كالقمل والبرغوث والصرصار
قال العلماء : لا كفارة لأنها تؤذي
فالقمل والبرغوث يؤذيان
كما أن قتل الغراب والحية والعقرب
يؤذي المسلم

وقال بعض العلماء
إن قتل هذه الحشرات فعليه التصدق بشيء من الطعام
كما في حديثه (صلى الله عليه وسلم) في صحيح البخاري
عن كعب بن عجرة (رضي الله عنه)
"|أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وأنه يسقط (اي القمل) على وجهه فقال أيؤذيك هوامك قال نعم فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام"

ونزلت بعد ذلك آية الفدية في سورة البقرة
(وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ)

قال العلماء
الفدية هنا ليس بسبب قتل القمل
بل هي عن قص الشعر

رند الناصري كتب:: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

أحل لكم صيد البحر وطعامه ... كلمة (صيد) هنا
تعني فعل الصيد
وتعني المصيد
وطعامه أي ماخرج لكم وقذفه البحر
فهو الطهور ماءه
الحل ميتته
كما قال (صلى الله عليه وسلم)

متاعا لكم .. أي تمتيعا لكم
وللسيارة .. أي الراكبون في البحر
وللصائدين
وكذلك للناس في أي مكان
فلربما يطرح عليك البحر صيد لك
دون سعي

وحرم عليكم صيد البر.. (صيد) هنا
قد تكون بمعنى الفعل فهو مفهوم
وإن كان المصيد .. فيحرم على المحرم أن يأكل منه
سواء أصاده هو
أو صيد له
أو صيد من أجله

ما دمتم حرما.. طالما كنتم محرمين
أو كنتم في الحرم

وأتقوا الله الذي إليه تحشرون.. يذكرنا الله بالحشر
والنشر
يوم تظهر الأعمال

والآية واضحة اللفظ
عميقة الدلالة
وفيها من الأحكام الكثير
منها
ما هو صيد البحر
وما هو صيد البر

صيد البحر هو ما تخرج فراخه فيه
ويعيش فيه
كالسمك

وصيد البر ما تخرج فراخه فيه
ويعيش فيه
كالطيور والغزلان

فإن كان يعيش في البر والبحر
كالسلحفاة
والضفادع
الدولفين
فما الحكم

قالوا: يُنظر في أكثر عيشه
فإن كان أكثر عيشه بالماء فهو صيد البحر
وإن كان أكثر عيشه بالبر فهو صيد البر

وقال بعضهم
طالما خلط عيشه في البر والبحر
يُقدم دليل التحريم على دليل التحليل
أي إن كنت محرما
فلا تأكله إن كان يعيش في البر والبحر
والأرجح أن لا يُصاد ما يشترك عيشه
برا وبحرا

رند الناصري كتب:: كان العرب في الجاهلية
بينهم تباغض وتدابر وتناحر وعجلة
فجعل الله الخلافة في الأرض
كي يجتمع أمر الناس على رجل منهم
يتولى تدبير الأمور
ولما كان وجود الحاكم لايُغني من التظالم
والسلب والقتل والغصب
فجعل الله مكانا للأمن
واختار مكة موضعا لبيته الحرام

مكان يأمن فيه الناس
يلوذ به الخائف
ويأمن فيه الضعيف
ويربح فيه التاجر
وعظم الله حرمته
ووضع في قلوب الناس هيبته

مكان .. حتى الوحش يأمن فيه
(لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم)

جعل الله الكعبة وما حولها
مثابة للناس وامنا
فتنصلح فيه معايشهم
وتنصلح فيه آخرتهم
بالعبادة
والطواف
والسعي إليه
ولما كان الناس متباعدين
وفي أماكن قد لايصلون إلى الحرم فيها بيسر
إذن فليس الكل يأمن فيه
لكن من وصل إليه واستعاذ به

من أجل ذلك
جعل من الزمان زمانا آمنا
فاختار ثلث الزمان فجعلها أشهرا حرما
ثلاث متواليات
ذو القعدة وذو الحجة ومحرم
وشهر آخر في منتصف العام
وهو رجب

في هذه الشهور الحرم
التي عظمت حرمتها في صدور الناس
فيلقى الرجل قاتل أبيه
فلا يتعرض له ولايؤذيه
فيسافر فيه الناس وهم آمنون
على أموالهم وأعراضهم
فيتزودون من التجارة والطعام والربح
ما يكفيهم لباقي العام

ولكي يشعر الفقير بالعطف وبالرحمة
ولكي يأكل ما هو منه محروم
شرع الله لنا الهدي والقلائد
فيُطعم المسكين
ويُطعم ابن السبيل والفقير
كل ذلك
من لطف الله ورأفته بخلقه
مع ما هم عليه من كفر وجحود

رند الناصري كتب:: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

جعل الله الكعبة والبيت الحرام .. (جعل) في القرآن تأتي بمعان عديدة
منها (خلق)
ومنها (صيّر)
ومنها (سمّى)
جعل الله الكعبة .. أي صيرها بإرادته وحكمه
وهي التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
سميت بالكعبة
لتكعبها
إذ هي مربعة .. وبيوت الناس مدورة في ذلك الحين
أو سميت كعبة بسبب نتوءها وبروزها فوق الأرض
وسميت بالبيت .. لأنها ذات سقف وجدران
الحرام ..لأنها محرمة
لايقطع شجرها ولاينفر صيدها
ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشد
وهي حرام منذ وضعها الله للناس

قياما للناس ... القيام والقوام
هو ما به صلاح الشيء ومعاشه

والشهر الحرام... الشهر هنا هو شهر ذو الحجة
أو اسم جنس (أي الأشهر الحرم)
وفيها أيضا قيام للناس
لأن الناس تسافر فيها وهي آمنة
وفيها تُحقن الدماء
ويأمن الناس على أموالهم وأعراضهم

والهدي.. ما يُهدى إلى الحرم

والقلائد.. كانوا يقلدونها في عنق الناقة أو البقرة
ليعلم الناس أن هذه الأنعام هي للهدي

ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات ومافي الأرض ..أي يعلم مصالح الناس
وما به قوامهم
وما به صلاح أمرهم
وما به معايشهم
فيشرع من الشرائع ما فيه درء للمفسدة
وجلب للمنفعة

وأن الله بكل شيء عليم.. تعميم بعد تخصيص

رند الناصري كتب:: (اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

اعلموا أن الله شديد العقاب.. تهديد ووعيد
لمن انتهك الحرمات
لمن خالف ما جعله الله أمنا وقياما للناس

وأن الله غفور رحيم .. لمن عظم حرمات الله
ومن يعظم شعائر الله
فإنها من تقوى القلوب

» ســــورة عبس