إن بقاء الإنسان في الظاهر على إسلامه، مختلط بأسرته،
وبمجتمعه الإسلامي في المساجد والمناسبات الجماعية،
وحضور دروسهم ووعظهم وإرشاده، قد يحرك فيه عاطفة سبق أن تلبس بها،
وقد يدعوه تفكيره وعقله إلى الموازنة بين الإسلام الذي كان عليه،
وبين الدين الذي رجع عنه، فيبدأ إيمانه يقوى حتى يعود إلى الإيمان الحق،
فيثبت في قلبه، وقد يفوق في قوة إيمانه غيره من المسلمين.
بخلاف ما إذا انتقل إلى أهل الدين الجديد وخالطهم،
فإنه سيلقى منهم الفرح والسرور بردته، وسيشجعونه على الاستمرار على دينهم،
وقد يغروته بالمناصب والأموال والشهوات والشبهات التي تجعله يستمر في ردته وتأييده لأهل الملة الجديدة،
وهذا ما نشاهده في واقع الحال في أي مرتد يلجأ إلى أهل الدين الجديد.
ونحن نعلم أن غالب أحكام الشريعة، واضحة الحكم والمصالح،
وقليل منها قد لا ندرك حكمته، فنقبله مستسلمين لله تعالى في تشريعه،
لعلمنا أن الدين كله حق، وما ذكرنا يظهر لنا شيئا من حكمة قتل المرتد
وإجباره إلى الرجوع إلى الإسلام،
ولو فرضنا أنما ذكرناه غير صحيح وأن الحكمة لم تظهر لنا فيه،
فالواجب علينا التسليم المطلق لشرع الله،
وقد الذي ثبت بسنة رسوله الصحيحة،
وهي وحي كالقرآن إلا أن القرآن يتعبد بتلاوته، بخلاف السنة.
الدليل الخامس :
أن الذي يكره على الرجوع إلى الإسلام، سيكون في واقع الأمر باقيا
على معتقده، وإظهاره الإسلام يكون من باب النفاق،
وهذا يقتضي أن يكثر المنافقون في صف المسلمين،
يتتبعون عوراتهم ويتجسسون عليهم لأعدائهم،
أفلا يكون وضوح كفرهم أولى ليتمكن المسلمون من الحذر منهم
والجواب على ذلك أنه لا تخلوا الأمة الإسلامية من وجود منافقين
في صفوفها من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا،
وسيستمر ذلك، ونحن لا نيأس من هداية الله لمنافق يوجد بين المسلمين
كما مضى.
وقد يتوب بعض المنافقين وتحسن توبته وإسلامه،
قال أبو عطية الأندلسي رحمه الله:
"وروي أن الجلاس تاب من النفاق
فقال إن الله قد ترك لي باب التوبة فاعترف وأخلص وحسنت توبته"
[المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3/61)]
ولو ترك للمسلمين الخروج من دينهم إلى غيره من الأديان،
لكثر المرتدون كثرة تضعف بها الأمة تذهب هيبتها وهيبة دينها،
لأن كل من ضعف إيمانه قد يعلن ردته.
وبقاء ضعيف الإيمان، أو من تظهر عليه سمات النفاق، بين الجماعة المسلمة،
خير له وللأمة من إعلانه ترك دينه، لأنه يرجى له بما معه من إيمان ضعيف
أو ما اعتراه من صفات المنافقين، أن يقوى إيمانه المؤمن ويموت على الإسلام،
وأن تتغلب عاطفة الإيمان على صفات المنافقين، فينجوان من الخلود في جهنم،
ويبقيان مكثرين لسواد المسلمين، مشاركين لهم في تعاونهما معهم على البر والتقوى بمقدار إيمانهما،
ولو فرض أنهما لم يتعاونا مع المسلمين، فإنهما بحكم انتمائهما الظاهر إليهم
قد يتورعان عن التعاون مع أعدائهم عليهم...