الفرق بين الريح والرياح
إنَّ قضيَّة الفروق بين الألفاظ هي قضيَّة لغوية أساسيَّة، في ظلِّ الاستخدام القرآني الدقيق للألفاظ حتى تلك التي نظنُّ أنَّها مترادفة،
وحتَّى أنَّ اللغة ذاتها تتضمن دقَّة دلاليّة في ألفاظها، ودقَّة دلاليَّة في تراكيبها، وقد ظهرت هذه الدقّة بيِّنة جليَّة في آيات القرآن الكريم؛ لأنَّه كلام الله العظيم.
وبالنسبة للفرق بين الريح والرياح؛
فإنَّ أكثر الناس ومنهم الكثير من أهل العلم يقولون:
أنَّ الرياح للخير، والريح للشر.
وقد درجتُ على هذا القولِ مدّة من الزمن، حتى اصطدمتُ ببعض الآيات التي جاء فيها ذكر الرياح والريح؛ فكان لزامًا عليَّ أن أغيِّر هذه المعلومة التي أخذناها عن بعض أهل العلم كأنَّها مسلّمة؛ لأنَّها توافقت مع بعض الآيات والأدلة.
وعند النَّظرة الكُليَّة إلى الآيات التي ذكرت الرياح والريح؛ نجدُ أنَّ الرياحَ في كلِّ أحوالها لا تأتي إلا بخير، وهذه هي المعلومة الثابتة وفقًا للفهم السابق.
أمَّا الريح فهي أعمُّ وأشمل من الرياح، وهي أقرب إلى كونها اسم جنس للهواء المتحرك، فتضم الريح: الرياح والعواصف والقواصف وغيرها، وقد بيَّن القرآن لنا كلَّ هذا، وسآتي على ما ذُكر في القرآن عن الرياحِ أوّلًا ووصفه له، ثم الريح ثانيًا وأوصافه وأشكاله.
أوَّلًا: الرياح في القرآن.
لقد ذكر الله تعالى في غير آية أنَّ تصريفه للرياح آية من آياته الكونية، ونعمة من نعمه، قد بيَّنها لخلقه وتفضل بها عليهم،
كما قال تعالى:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [البقرة164]،
وقوله جل وعلا:
"وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"
[الجاثية5].
وقد جاء ذكر تصريف الله للرياح في آيات أخرى، بذكر أوصاف هذه الرياح، وبيان ذلك كما يلي:
1. الريّاح المبشرات:
وهي التي تبشر بنشوء السُّحب ثم هطول الغيث والمطر، وقد جاءت في القرآن بصيغتين:
الأولى: مبشرات،
كما قال تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ
وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
[الروم46].
الثانية: بُشرًا، كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ"
الآية [الأعراف57]،
وقوله سبحانه:
"وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا"
[الفرقان48].
2. الرياح مثيرة السُّحب:
وهي التي تشكل السحاب بما يحمله من ماء، ليكون جاهزًا للهطول والإمطار،
كما قال تعالى:
"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ"[الروم48]،
وقال سبحانه:
"وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَٰلِكَ النُّشُورُ"[فاطر9].
3. الرياح اللواقح:
وهي الذي تُلقّح السُّحب لإنزال الغيث، فهي تهب لأجل أنْ تبدأ عمليَّة هطول الغيث والمطر،
كما قال تعالى: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ"
[الحجر22]،
و(فاء) [فأنزلنا] للترتيب والتعقيب كما هو معروف في اللغة.
4. الرياح الذاريات: وهي التي تهب لتحمل معها ما جفّ من نبات الأرض، وتلقيه في مجاريها، كما قال الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا"
[الكهف45]،
وكذلك ما جاء في قول الله تعالى:
"وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا"
[الذاريات1-4]،
وهي تتحدث عن نفس حالة الرياح التي تذروا السحاب فيحمل الغيث ويُجريها أو يُجري الفُلك حيث أراد الله وبحسب ما قدَّر وأمر.
هذا بالنسبة للرياح، وهي كما هو ظاهر لم تُذكر إلا لخير.
وهناك الكثير من اللطائف والفوائد والبصائر في ثنايا ما سبق؛ ليس هذا محل بيانها، والله المستعان.
أمَّا بالنسبة للريح فقد جاء القرآن مبيِّنًا أنَّه قد يكون خيرًا، وقد يكون شرًا، وقد ذكر له أوصافًا وبيَّن له أنواعًا، وبيان ذلك فيما يلي:
1. الريح المبشِّرة (حاملة الرائحة):
وهي المذكورة في قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:
"وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ"
[يوسف94]،
فقد ذكر أنَّها ريح يوسف ولم يقل رياح يوسف؛ لبيان أنَّ ريحَ أيضًا تأتي بالبشرى والخير. وبالرغم أنَّ المقصود هنا هو الرائحة؛ إلا أنه ذكر الريح لبيان سرعة البشرى وقوتها في الوصول إلى نبيِّ الله إسرائيل لتبشره برائحة يوسف المفقود منذ أمد.
2. الريح شديدة البرودة:
وقد ذكرت في عدَّة آيات، منها أنَّها كانت شكلًا من أشكال عذاب الأقوام، حيث قال الله تعالى:
"فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"
الآية [فصلت16]،
وقال سبحانه:
"وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ"
[الحاقة6]،
فهذه الريح إنما هي لون من ألوان العذاب، وهي ذاتها المذكورة والمبيّن أنها للعذاب
في قوله تعالى:
"فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ"
[الأحقاف24-25]،
وقال جلّ وعلا:
"مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ"
[آل عمران 117]،
نعوذ بالله من ذلك، ونسأله السلامة والعافية.
3. الريح الطيبة: وهي التي تُجري الفُلك في البحر، وهي مثل الرياح التي تثير السحاب وتذروه، وتلقحه لإنزال الغيث، قال الله سبحانه وتعالى:
"هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا"
[يونس22]،
فهي ريح مفيدة جدًا لحياة الناس وتجارتهم، وسفرهم بين أقطار الأرض، وهو من تصريف الله تعالى للرياح؛ فكل ريح فيها خير هي رياح.
4. الريح العاصف:
وهي التي تعصف عصفًا شديدًا، وتحمل وترفع وتدفع، ونحن نعرف جيّدًا العاصفة والعواصف، وهي مذكورة بعد الريح الطيبة،
حيث قال تعالى:
"حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ" الآية [يونس22]،
وهي نذير هلاكٍ وعذاب، ولا يُشترط أن تكونَ شرًا؛ فقد تكون خيرًا لمن هبّت عليه؛ بأن يتوب ويعود إلى الله ويسلم له استسلامًا تامًا وإخلاصًا كاملًا.
وعندما ضرب الله المثل بأعمال الكفار ذكر هذه الريح
فقال:
"مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ"
[إبراهيم18]،
فهذا المثل يتكلم عن اشتداد العواصف الذي لا يبقي أثرًا للرماد، فلا يقدرون على شيء مما كسبوا!
5. الريح القاصف: وهي التي تدمر وتُهلك، فإذا كانت الريح العاصف نذير الهلاك؛ فهذه الدمار والهلاك بعينه، ولعل الريح القاصف هي ما نعرفه اليوم بالإعصار والله أعلم، قال تعالى:
"أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ
فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ"
الآية [الإسراء69].
6. ريح الجفاف:
وهي الريح التي تهب في الخريف، وتكون سببًا في جفاف أوراق الأشجار والأعشاب والنباتات،
وقد ذكرها الله تعالى في قوله:
"وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ".
7. الريح الساكنة:
وهذه أحد حالات تصريف الله تعالى للريح، وهي عدم هبوبها، أو أمر الله تعالى لها بأن تسكن فلا تتحرك،
كما قال تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ"
الآية [الشورى 32-33]،
وهذه رغم أنَّ فيها عدم هبوب للريح؛ إلا أنَّها غالبًا لا تأتي بخير.
وهنا إضافة من باب الاستطراد فيما يتعلق بالريح المسخرة لسليمان عليه السلام:
لاحظتُ من خلال الآيات التي ذكرت
تسخير الريح لسيدنا سليمان عليه السلام أنَّها شملت ثلاثة أنواع من الريح:
النوع الأول:
الرياح؛ وهي التي تدل على الخير كما دلّت على ذلك آيات القرآن،
وجاء ذلك في قوله تعالى:
"فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ"
[ص36].
النوع الثاني:
الريح المسرعة؛ التي تسير شهرين خلال يوم واحد،
كما قال تعالى:
"وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ"
[سبأ12].
النوع الثالث: الريح العاصف؛
وقد ذكرنا سابقًا أنها نذير من النذر، والنذير قد يكون نذير سوء، وقد يكون نذير خير؛ وإنما يظهر ذلك فيما بعد هبوب عاصفة الريح،
وهذه هي المذكورة في قوله تعالى:
"وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ"
[الأنبياء81].
وقبل أن أنتهي من هذه الكتابة؛ أريد أنْ ألفت النظر إلى لطيفة متعلقة بذكر الريح في القرآن، حيث أنَّ الله تعالى ذكرَ وصفًا للريح التي أهلك بها عادًا غير وصفها بالصرصر العاتية،
كما قال الله سبحانه تعالى:
"وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ"
[الذاريات41]؛
هنا وصف الله هذه الريح بالعقيم، وذلك أنَّ قوم عادٍ عندما رأوا الريح ظنوا أنَّه سحاب ممطر،
كما قال تعالى:
"فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا"
الآية [الأحقاف24]؛
فبيّنت الآية الأخرى أنَّ هذه الريح ليستْ من اللواقح؛ بل هي ريحٌ عقيم لا تلقح سحابًا ولا تثيره؛ وإنَّما هي هلاك ودمار عليكم، لا تذر شيئًا إلا أهلكته ودمرته.
وقبل الانتقال إلى الخلاصة تأتي عندنا مسألة، وهي شبهة اعتراضيَّة على ما سبق، حيث أنَّه تم تقرير أنَّ الريح هي اسم جنس لكلِّ هواء متحرك، وهي أعمّ وأشمل من الرياح،
فلماذا عندما ذكر الله تصريفه لهذا الهواء لم يذكر الريح وإنما ذكر الرياح
في قوله:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ -إلى قوله-
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"
[البقرة164]،
وقوله جل وعلا:
"وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الجاثية5]!؟
والطبيعي أن يقول: وتصريف الريح؛ لأن الريح أعمّ وهي اسم الجنس.
ويجاب على هذا الإشكال: أنَّ الريح تتضمن خيرًا وتتضمن في كثيرٍ من حالاتها شرًّا،
أمَّا الرياح فهي خيرٌ محض، لم يأتِ ذكرها في القرآن إلا لخير، والشَّرُّ لا يُنسب إلى الله تبارك وتعالى،
كما في الحديث: "والشر ليس إليك"،
ولذلك قال تعالى: "وتصريف الرياح"
ولم يقل: وتصريف الريح. والله أعلم.
الخلاصة:
أنَّ الريح هي أعمُّ وأشمل في الدلالة من الرياح، وهي اسم جنس للهواء المتحرك،
فكل هبّة هواء تُسمى ريحًا، لكنَّ الآتية بخير أو الهآبَّة لغير سوء فتسمّى رياحًا،
ولا ضير أن تسمّى ريحًا،
وكذلك فإنَّ تسمية الريح تكون مناسبة لحالها ووصفها،
فهناك عواصف وهناك قواصف وهناك ريح صرصر،
وهناك ريح عقيم، وغير ذلك.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم،
فما كان من صواب فمن الله وحده لا شريك له، قد وفّق وسدّد وصوّب وألهم، وما كان من خطأٍ فمن نفسي والشيطان،
وليس من الله في شيء، وأستغفر الله منه وأعوذ بالله من الشيطان.
وآخر دعوانا: الحمد لله ربِّ العالمين.