قال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع (الا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)
حين ذهب موسى (عليه السلام) إلى فرعون كان له مطلبان أن يؤمن فرعون ويعرف أنه مربوب وأن يطلق سراح بني إسرائيل
ولم يطلب موسى من فرعون أن يأخذ مكانه في الحكم لكن فرعون أراد أن يقلب الحقائق فقال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ولم يكتف بذلك بل أتهمه بالسحر (بسحرك)
ثم قال فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لانخلفه الموعد هنا بمعنى الوعد ومكانه كقوله سبحانه (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) لانخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى .. أي مكان مستويا مكانا بينا للناس نستوي نحن وأنت فيه
قال موسى للسحرة أو لفرعون ومن معه ويلكم لا تفتروا على الله كذبا .. أي لاتختلقوا الكذب وتقولوا عن المعجزة إنها سحر فيسحتكم .. يعني يستأصلكم وهذا كلام عنيف من موسى للسحرة ولو علم موسى كيف ستكون عاقبة السحرة في آخر النهار يا ترى هل سيعنفهم كل هذا العنف
لكن في تلك اللحظة كان مكتوب عند الله .. أنهم من الشهداء البررة مع أنهم أمام الناس .. من السحرة الفجرة
ثم يقول وقد خاب من افترى خاب وخسر من اختلق الكذب في الدنيا والآخرة
يبدو أن مقولة موسى قد هزت السحرة فتنازعوا أمرهم بينهم .. يعني اختلفوا وأسروا النجوى .. يعني بالغوا في خفت الصوت بعيدا عن موسى وفرعون كي لايسمعهم أحد
فهل كانوا يتفقون كيف يغلبون هل كانوا يتفقون على الخطة أم أنهم قالوا ما بهذا قول ساحر خاصة وأنه رأوا رأي العين أن موسى وأخيه لم يسجدا لفرعون بل أن تهديدهما كان واضحا بعدم خوفهما من أحد
بعد انتهاء الخلاف قال السحرة مقولة فرعون إن هذان لساحران لكن هناك أكثر من قراءة فقد تكون إنّ (بشدة النون) موكدة لسحر موسى واخيه أو تكون نافية إن (بتسكين النون) أي ما هذان بساحران
يريدان أن يخرجاكم من أرضكم .. أو يريدان أن يذهبا بطريقتكم التي لايغلبها أحد
قالوا ياموسى إما أن تلقي والإلقاء في الأصل هو أن تطرح الشيء .. شرط أن تراه أمامك
وقولهم (وإما أن نكون أول من ألقى) فهي صيغة تحدي
قال بل ألقوا .. واجه كلامهم بأدب أو أراد منهم أن يستفرغوا جهدهم ثم تظهر المعجزة أو أن موسى لايستطيع أن يلقي متى يشاء بل هو ينتظر الإذن من الله ويبدو أن الإذن لم يأت بعد وهذا هو الفرق بين السحر والمعجزة الربانية
فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم إنها تسعى إذن لم تكن العصي والحبال تسعى على الحقيقة وإنما كان خيالا كما نراه في أفعال الشعوذة والدجل وخفة اليد وقال البعض إن السحرة دهنوا العصي بالزئبق فلما ازدادت حرارة الشمس اشتعل الزئبق وتحرك والله أعلم
فأوجس في نفسه خيفة موسى أوجس .. يعني أضمر في نفسه .. في داخل نفسه ولم يظهرها خيفة .. خوفا شديدا والخوف غريزة فطرية لكن لماذا خاف موسى ربما ظن أن ما رآه يُشبه ما رآه بعصاه وان الأمر قد يختلط على الناس ولن يفرقوا بين الحق والباطل أم لعله خاف أن ينصرف الناس فورا قبل أن ينتظروا دور موسى
لكن قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ويبدو من هذا النهي عن الخوف أن خوف موسى كان من التباس الأمر على الناس مع ملاحظة أن موسى حين رأى عصاه تتحول لثعبان في الطور فإنه لم ير إلا التحول فقط لم ير ما يفعله هذا الثعبان من أمور
ثم قال إنك أنت الأعلى (3 كلمات) من عجائب هذه الكلمات أنها مؤكدة ست مرات فأولها الجملة استئناف ثانيها الشدة في النون (إنّ) ثالثها (الكاف) في إنك رابعها (أنت) الضمير خامسها (الألف واللام) في الأعلى سادسها (العلو) هو الظهور والغلبة بصيغة تفضيل
ثم قتا والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا الق ما في يمينك .. ملفتة للنظر وما في يمين موسى .. هو العصى ولم يقل (الق عصاك) فهنا إبهام ويحصل الإبهام لتعظيم شأن العصا التي يظنها الناس عود صغير وكأنه يقول الق ما في يمينك لأنك لا تدري ما قيمة ما في يمينك
ثم قال تلقف ما صنعوا .. اللقف هو الأخذ بسرعة باليد او بالفم ما صنعوا .. فكأنها أمور صنعوها بيدهم
ثم قال إنما صنعوا كيد ساحر فهي أعمال سحرة والساحر كافر وتعاطي السحر كفر
ثم قال ولايفلح الساحر حيث أتى فلايفوز الساحر حيث ما حل أو حتى لو ظننت أنه فائز اليوم فبالغد هو بالنار إن لم يتب
ولما ألقى موسى العصا تحولت العصا إلى ثعبان ليس له مثيل يمشي ويسعى ويتناول بسرعة كل ما موضوع على الأرض من أعمال السحرة حتى خلت الساحة إلا من عصا موسى فأين ذهبت الحبال والعصا
ثم قال فالقي السحرة سجدا قالوا آمنوا برب هارون وموسى وكأن وقت سجود السحرة لم يستغرقوا سوى لحظة بعد الواقعة بعد أن تبين للسحرة أن موسى صادق فقالوا آمنا برب هارون وموسى وقدموا هارون على أخيه لأنه الأكبر سنا وقيل لأن موسى رباه فرعون وهم يريدون التأكيد أن إيمانهم إنما هو برب الأرباب سبحانه
كان المفروض من فرعون أن يؤمن بعدما رأى إيمان السحرة لكنه قلب الحقائق مرة أخرى فقال آمنتم له قبل أن آذن لكم وهل يحتاج الإيمان بالله لإذن الوالي أو الملك لكنه العلو والكبر
ثم قال إنه لكبيركم .. لزعيمكم الذي علمكم السحر .. ومتى تعلم موسى السحر وهو قادم من مدين بعد 10 سنوات والسحرة تعلموا السحر قبل أن يولد موسى لكنه التدليس والتلبيس
ثم أتى بتهديد .. فلاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف يعني يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس ووضع الشدة على الطاء .. يعني مبالغة في القطع وكأنه تمثيل بالجسد
ولأصلبنكم في جذوع النخل ولم يقل على جذوع النخل فكأنهم من شدة الصلب دخلوا في الجذع نفسه
قال السحرة لن نفضلك على هذه المعجزات الواضحات ولن نفضلك على الله الذي فطرنا أو لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا أي قسم بالله كانهم يقولون (والذي فطرنا لن نؤثرك على ما جاءنا)
فاقض ما أنت قاض افعل ما بدا لك
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فكل ما تفعله إنما هو في الحياة الدنيا أما الآخرة فلا تملكها
فنحن آمنا بالله ليغفر لنا الخطايا والذنوب والكبائر وما اكرهتنا عليه من السحر مع أن الإكراه لايعاقب عليه الإنسان فكيف طلبوا من الله مغفرة ما اكرهوا عليه خاصة وأنهم في آية أخرى سألوا فرعون هل لنا آجر إن كنا نحن الغالبين
لكن قد تكون جملة (وما أكرهتنا عليه من السحر) هي جملة نافية أي أنك لم تجبرنا على السحر بل نحن جئنا بإرادتنا والمختار مسؤول
والله خير وأبقى وهو رد على كلام فرعون لأنه قال سابقا (أينا أشد عذابا وأبقى) فقالوا له: الله خير ثوابا منك إن آمنا به وأبقى وأشد عذابا إن عصينا وكفرنا به
هذه 3 أيات هل هي كلام متصل للسحرة فكيف علم السحرة بكل ذلك قيل من بني إسرائيل أو من مؤمن آل فرعون أو انهم ألهموا الكلام أو أنهم حين سجدوا .. رأوا الجنة في سجودهم والله أعلم
إنه من يأت ربه مجرما فإنه له جهنم لايموت فيها ولا يحيى فلا يستريح من العذاب ولايزول عنه ولايخفف منه
ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات لأن الإيمان مقرون بالعمل فأولئك لهم الدرجات العلى ما هي هي جنات عدن تجري من تحتها الأنهار من تحت السرر والغرف والقصور خالدين فيها
وذلك جزاء من تزكى من تطهر من الكفر وتطهر من السحر وتطهر من المعاصي
رغم وضوح المعجزة وسطوع البرهان وسجود السحرة لكن لم يؤمن فرعون
فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج أول الليل (اسر) بعبادي .. لأنهم مؤمنين
فاضرب لهم .. أي اجعل لهم والتعبير بالكلمة (ضرب) يشعرك أن الطريق نشأ بعد ضرب موسى للبحر بعصاه
يبسا .. اي يابس لا ماء فيه ولا طين وكلنا يعلم أن الماء إذا انحسر عن الأرض تركها والطين فيها ظاهر مزلق لكن الله سبحانه حين فلق البحر لموسى وظهر القاع جعله يابسا لا وحل فيه بقدرته
لاتخاف دركا ولا تخشى لاتخاف أن يدركك فرعون ولا تخشى الغرق
فغشاهم .. فغطاهم من اليم ما غطاهم والتعبير للتهويل فكأنه لايعرف ما غطاهم من الماء إلا الله
وحين وصل موسى إلى حافة البحر قال أصحابه فرعون من وراءنا والبحر من أمامنا فطمأنهم موسى وأوحي إليه فضرب البحر فانفلق إلى 12 طريق كل سبط من بني إسرائيل يمر في طريق وكان الماء كالجبل العظيم
وكان كل فريق .. يرى الفريق الآخر من خلال المياه فكيف رأى كل ذلك فرعون ولم يؤمن وكيف لم يخف وكيف تجرأ ودخل البحر فإن كان هو قد عمي وعميت بصيرته فماذا عن الجنود
لكنه أمر يدل على إرادة الله النافذة وإنه سبحانه إذا أراد شيئا بعبد سلب منه العقل والسمع والبصر ثم ردها إليه بعد ذلك ليعتبر وليجعلها حجة عليه
توجه الخطاب لبني إسرائيل المعاصرون للمصطفى (صلى الله عليه وسلم) في المدينة الذين كانوا على مستوى من الغدر والسوء والخيانة وهذا ديدنهم أو الخطاب للأسلاف والأجداد
يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم تذكير بنعمة النجاة
وواعدناكم جانب الطور الأيمن تذكير بنعمة الدين مع ان المواعدة لم تكن لبني إسرائيل بل لموسى عليه السلام وفي هذا دليل أن التوراة نزولها هو لمنفعتكم أنتم
جانب الطور الأيمنَ الأيمن صفة للجانب لأن الجبل لا يمين له ولا شمال
ونزلنا عليكم المن والسلوى والمن كانوا يجدونه على أغصان الأشجار والسلوى طائر كالسمان
وهنا تذكير بنعمة الرحمة والإنسان خطّاء فإذا وقع الإنسان في الخطيئة تداركته رحمة الله بهذه الآية فهنا المخرج وهو طلب المغفرة من الله فتاب من الذنب وآمن بالله وعمل صالحا ليتدارك النواقص
نقاط : 3239 السٌّمعَة : 33 تاريخ التسجيل : 19/05/2018
موضوع: رد: ســـورة طه الثلاثاء مايو 22, 2018 9:04 pm
يوسف عمر كتب:
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى)
خرج بنو إسرائيل من البحر فرأوا قوما يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى اجعل لنا آلها كما لهم آلهة ومع ذلك غفر الله لهم ورزقهم بالمن والسلوى
ثم واعد موسى 40 ليلا ليأتيه في الطور فيعطيه التوراة وفيها الأحكام والدلائل والعلوم
وخرج موسى للقاء ربه وترك بنو إسرائيل وأخذ معه 70 من علماءهم وذهب إلى الموعد
ثم حركه شوقه إلى الله فترك ال70 وأسرع هو السير وذهب وحده وهم على إثره
وهنا سمع النداء من العلي الأعلى يقول له وما أعجلك عن قومك يا موسى
قال بعض العلماء كان ترك موسى للسبعين .. خطأ
وقال البعض الآخر وهو الأرجح أن السؤال كان سؤال رحمة ولطف لأن الخبر الآتي بعد السؤال كان خبرا مفزعا بأن قومه أتخذ العجل من بعده وموسى لم يكن يدري فأراد ربه أن يتلطف به
قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا إذا بقراءة (كسر الميم) فتعني بطاقتنا وإذا (بفتح الميم) فتعني بتملكنا للصواب فهو إعتراف بالخطأ وإذا (بضم الميم) تعني بسلطاننا
ولكنّا حُملنا أوزارا من زينة القوم وهي الحلي التي استعاروها من ذهب مصر عند خروجهم بعد أن أخذوها بالحيلة والأوزار هي الأثقال وتطلق على الذنوب والمعاصي لكن لم أطلقوا على الزينة .. أوزارا قيل لأن السامري خدعهم بأن موسى تأخر عليكم بسبب هذه الحلي المسروقة وقيل إن الحلي قذفها البحر بعد غرق فرعون وجنوده ولم تحل لهم الغنائم كما أحلت للنبي (صلى الله عليه وسلم) وفي كلا الحالتين فهي لا تحل لهم وعليه فهي خطيئة وبالتالي فهي أوزار
هذا العجل اختلفت فيها الآراء قال احد العلماء إن السامري رأى جبريل عليه السلام حين نزل على موسى ولاحظ أن حوافر الفرس إذا لمس الأرض.. اخضرت فأخذ حفنة من ذلك التراب وحين قذف ما معه من حلي بالنار ألقى معه ذلك التراب فأصبح العجل من لحم ودم لكن بغير روح
وقال البعض الآخر خار العجل مرة واحدة ثم سكت
وقال الآخر بل كان السامري هو من صاغ العجل وجعله مجوفا وفيه أنابيب ووضعه بإتجاه الريح حتى إذا مادخلت الريح في الأنابيب أصدرت صوتا
ثم أدعى السامري أن موسى نسي أن ربه موجود هنا وذهب يذهب عنه هناك بمنتهى سوء الأدب مع الله
فقالوا (وكأنهم أجمعوا على القول) هذا إلهكم وإله موسى فكأنه نسي موسى أين ربه أو فنسي السامري عقيدته وتركها فكفر